Translate

السبت، 25 أبريل 2015

ملحمة قصيرة للشاعر والكاتب مصطفى بلقائد


ملحمة قصيرة
ـــــــ
بعدَ أنْ فرغْتُ من عملي،قفلتُ راجعا إلى بيتي.كانت ليلة مضطربة وقاتمة كمِدادِ الحِبْرِ والرياحُ تَكادُ تدفعني بقوتها.فأسْرعتُ الخطى لأن العاصفة كانت تُنْذِرُ بزَخّاتٍ مطرية عاتية.وأنا مارٌّ بأحد الشوارع إذ فجأة لمَحْتُها جاثية في أحد الأرْكان وبيْنَ ذراعيها مولودٌ لم يتجاوز سنته الثانية.وكان الضوءُ المنبعثُ من عمود الكهرباء يُضيء وجهَها الشاحب ويُظهِرُ بُؤْسها وتَصلُّبَ أساريرها ومع ذلك لم يكُنْ يَخفى على ناظِرٍ حُروف حُسنها الذي يَأْسَرُ العينَ لأول نظرة.فدنوتُ منها وقلتُ لها:
أَأَلْقاكِ زَوْجٌ أَمْ هُناكَ مَشاكِلُ ***** أَلَمْ تَفْزَعي وَالناسُ نَذْلٌ وَقاتِلُ
وَما ذا الْمَكانُ آمِنٌ مِنْ عِصابَةٍ ***** وَأَنْتِ بِحُسْنٍ سَوْفَ يُغْويكِ سافِلُ
فأجابتْ والدموعُ تنْهَمِرُ من جفونها وهي تربت بيدِها على إبنها:
يا سائِلاً عَنْ شُؤون النّاسِ ذا قَدَري ***** أُمٌّ بِلا سَنَدٍ في الْهَمِّ وَالضَّرَرِ
اِشْفِقْ عَلَيَّ فَإِنّي صِرْتُ أَرْمَلَةً ***** وَأَلْبَسَتْني الظُّروفُ حُلَّةَ الْقَتَرِ
بِاللهِ لَيْسَ لَدَيَّ ما أُعينُ بِهِ ***** إِبْني وَلا مَنْزِلاً يَحْمي مِنَ الْمَطَرِ
رَثيْتُ لحالها واستَبَدَّ بي الغضب على قسوة الزمان والإنسان،فبحثتُ في جيوبي لكني لم أعثر على شيء.فقلتُ والحسرة تخنُقُ حلقي:
ما تَقولي لَوْ تَذْهَبي لِلْعِشاءِ ***** وَالْمَبيتِ في راحَةٍ وَهَناءِ
فَأَنا لا أَمْلِكُ قِرْشاً بِجَيْبي ***** إِنَّما بَيْتي مُؤْنِسٌ مِنْ خَلاءِ
سَيَقيكِ مِنْ لَيْلَةٍ بِعَراءٍ ***** وَتَجِدي فيهِ طَعامَ الْحِساءِ
وَغَداً يُبْدي اللهُ خَيْرَ حُلولٍ ***** وَتَكوني في نِعْمَةٍ وَصَفاءِ
فَالرِّياحُ أَجَّتْ بِصَوْتٍ مُخيفٍ ***** قَدْ تُصيبُ الْإِبْنَ بِأَعْراضِ داءِ
فتبسّمت بلُطف لكنما بدَتْ في نَظْرتها شُكوكٌ ثم قالت:
أَخافُ الْغَريبَ فَالْكَثيرُ مُنافِقُ ***** وَما كُلُّ شَخْصٍ في كَلامِهِ صادِقُ
وَقَدْ خانَني بَعْضُ الْوَرى قَبْلَ مِحْنَتي ***** وَلي عِفَّةُ الْكِرامِ وَاللهُ واثِقُ
فأخجلني كلامها ففكرت في الأمر مَلِياًّ وقلتُ لها:
هُناكَ حَلٌّ إِذا قَبِلْتِ أَفْكاري ***** أَنامُ عِندَ صَديقٍ أَوْ لَدى جاري
وأَنْتِ تُؤْوينَ وَالْمَوْلودَ وَحْدَكُما ***** مِنْ دونِ خَوْفٍ وَلا شَكٍّ وَلا أَخْطارِ
فوافقت على ذلك فاصطحبتها حتى منزلي ودفعت لها المفتاح وطلبت منها أن توصد الباب ولا تفتحه لغيري.وقبل أن أودعها قلت لها:
هَيِّئي أَكْلاً ثُمَّ نامي بِسِلْمِ ***** فَسَآتي غَداً بِصُحْبَةِ أُمّي
وَسَنَرى حَلاًّ يُفيدُكِ شَيْئاً ***** إِنَّ أُمّي لَها رَصانَةُ حِلْمِ
فَحَذارِ لا تُدْخِلي الْبَيْتَ شَخْصاً ***** إِنْ أَتى حَتّى تَسْمَعي لَفْظَ إِسْمي
فحرّكت رأسها بالإيجاب،فودعتها وتوجّهت عند صديق لي وقضيتُ الليلة برفقته بعدما قصصتُ عليه أمر تلك المسكينة.ولمّا قُمت في الصباح رجعت إلى بيتي لأتقصى أمرها. وعندما طرقتُ الباب بُهِتْتُ حين فُتِحَ الباب إذْ لم يكُنْ مَوْصوداً.فهرولت إلى داخل البيت وصُعِقْتُ لمّا وجدتُهُ مُقْفِراً وَخاوِياً على عروشهِ من أمتعتي وكل ما كنتُ أمْلِكُ. فجلست في أحد الزوايا من البيت وأنا أَتَمَيَّزُ من الغيظ ثم أخذتُ أُنْشِدُ!
أَذا واقِعٌ فيهِ الْأَمانَةُ تُحْقَرُ ***** وَأَصْبَحَ صِدْقٌ بِالْخِيانَةِ يُنْكَرُ
أَلا لا تَضَعْ في أَسْوَدِ الرَّأْسِ نِيَّةً ***** وَلَوْ كانَ مِنْ أَحْشاءِ أُمِّكَ يُفْطَرُ
وَما كُلُّ مُظْهِرٍ لِصِدْقِهِ صادِقٌ ***** وَما كُلُّ نائِلٍ لِجودِكَ يَشْكُرُ
وَذا آخِرُ الزَّمانِ كُلُّهُ خِسَّةٌ ***** وَلا يُؤْمَنُ الْوَرى وَقَلْبُهُ أَصْفَرُ
حَذارِ وَلَنْ تَلْقى سِوى الْغَدْرَ شائِعاً ***** وَيُهْضَمُ حَقُّ وَالْعَدالَةُ تَبْتُرُ
وَنَحْنُ دُمى الْأَوْغادِ في كُلِّ حِقْبَةٍ ***** وَذا الدَّهْرُ بِالنِّفاقِ وَالظُّلْمِ يَزْخَرُ
فَكُنْ في بَني الْعِرْبانِ أَدْهى مَكائدٍ ***** وَدَعْ عَنْكَ صِدْقاً فَالْحُثالَةُ تَمْكُرُ
ـــــ
اِنتهى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشاعر والكاتب مصطفى بلقائد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق