Translate

الأحد، 9 يوليو 2017

قراءة نقدية للأستاذ الشاعر محمد الملواني في ديوان الشاعرة ربيعة بومهراز " سلاسل الانعتاق .


قراءة نقدية للأستاذ الشاعر محمد الملواني في ديوان الشاعرة ربيعة بومهراز " سلاسل الانعتاق .
ببليوغرافيا الديوان
ديوان شعر منثور للشاعرة ربيعة بومهراز بعنوان " سلاسل الانعتاق" يعتبر باكورة انتاجها الأدبي ، صدرته باهداء لجميع الأصدقاء ، وتقديم للأستاذ الشاعر الزجال سليمان أوملاني اجبارة .
أما بخصوص النصوص التي يتضمنها الديوان بلغت أربعين نصا وضعت لها فهرسا في الذيل .
قراءة في ديوان الشاعرة ربيعة بومهراز يعني محاولة إصدار حكم على هذا الأثر الفني ، وهي مهمة شاقة صعبة تحتاج من الناقد التسلح بالدعامات الضرورية ..
- مفهوم النقد:
نقدتُ الدّراهَم وانتقدتها أخرجتُ منها الزَّيف ،فهذا المعني اللّغوي الأول يشير إلي أنّ المراد بالنقد التمييز بين الجيد والرّديء من الدّراهم والدنانير، وهذا يكون عن خبرة وفهم وموازنة ثمّ حكم سديد.
فالنّقد دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها المشابهة لها أو المقابلة، ثمّ الحكم عليها ببيان قيمتها ودرجتها، يجري هذا في الحّسيات والمعنوّيات وفي العلوم والفنون وفي كلّ شي ء متصّل بالحياة.
والرأي عندي أن النقد هو البحث في مقومات الأثر الفني وإصدار حكم عليه وتصنيفه باعتبار الجودة الرداءة عن طريق الاعتماد على منهج يجنب الباحث إصدار أحكام انطباعية .
وبالرجوع الى ديوان الشاعرة ربيعة بومهراز اعتمدت فيه منهجا تكامليا نجد فيه البنيوي والاجتماعي والنفسي والاستنباطي...
هذه المنهجية تعتمد على الاكتشاف أولا ، والمضمون ثانيا والتحليل ثالثا ، وإصدار حكم رابعا.
1/ البعد الاستكشافي للأثر " سلاسل الانعتاق "
سلاسل الانعتاق ديوان شعر للأستاذة ربيعة بومهراز باكورة أعمالها.
العنوان يتكون من اسمين العلاقة بينهما الإضافة ، والإضافة تنقسم إلى قسمين : إضافة لفظية وإضافة معنوية ، ونوع الإضافة في عنوان الديوان معنوية ، وتفيد هذه الأخيرة " التعريف والتخصيص والتخفيف .
وما يهمني من هذا التركيب الإضافي العلاقة بين المعجمين المتنافرين ، فما علاقة السلاسل بالانعتاق ؟ ، فلا حديث للانعتاق مع السلاسل ،فالسلاسل معجم يرمز الى القيد والسجن وعدم القدرة على فعل الأشياء .....
والانعتاق معجم يعني التحرر من الظلم والطغيان والاستعباد ....
المتصفح العادي عندما يقرأ هذا العنوان قد تصيبه خلخلة أو وشوشة فكرية ...
يتضح أن الشاعرة ربيعة بومهراز استطاعت أن تجمع بين ما لا يجمع ،وهنا تكمن قدرة المبدعة ، فالإبداع لا يعني أن تركب الشاعرة مطية ما يفهم أو ما ألفه القراء وتعودوا عليه ...
فالسلاسل المتحدث عنها في العنوان منتهية الصلاحية ، وبهذا المعنى تتضح العلاقة بين المضاف والمضاف إليه لفظا ومعنى ، ولكن ما الذي جعلني أعتبر هذه السلاسل منتهية الصلاحية ؟ ، الجواب عن هذا السؤال يدفعني إلى العودة إلى أنواع الإضافة ، فالإضافة تنقسم إلى قسمين: إضافة لفظية واضافة معنوية ، والمضاف في الإضافة اللفظية يقبل دخول " ال "عليه ،ويكون مشتقا عاملا معموله ما بعده أي المضاف إليه ،
أما المضاف في الإضافة المعنوية لا يقبل دخول " أل " ولا يكون مشتقا عاملا ، فلا يعمل في ما بعده أي المضاف إليه.
وبهذا المعنى يمكن أن نجمع بين ما لا يجمع ، أي بين السلاسل والانعتاق .
وهذا العنوان يفشي مرحلتين عمريتين ، وإن كانت النساء لا ترغبن في الحديث عن أمور المراحل العمرية ، السلاسل مرحلة عمرية ، والانعتاق مرحلة عمرية أخرى، ويمكني أن أضيف مرحلة ثالثة وهي مرحلة الصراع بين السلال والانعتاق ، فهل يمكن للسلاسل أن تفعل فعلها ؟ لا أعتقد ذلك .
2/ البعد التوجيهي في الأثر :
قرأت الديوان واستقر رأيي على أن يكون المعنى الأساس لمحتويات الديوان :
= الشاعرة ربيعة بومهراز تعيش تجربة صراع بين السلاسل والانعتاق =
تقول الشاعرة ربيعة بومهراز في مقطع من قصيدتها على ظهر الغلاف .
جاوزت صبرك ياوجعي
والوجع ينزف منذ الأزل
قدمت العمر قربانا بلا كفن
حتى غدوت سليبة الروح
فرشت رموشي جسر محبة
والغدر أفقأ عيني ساعة الغضب
من أضلعي صنعت كمانا
عليه أعزف لحن الصبر
حتى غنيت موال الأحزان
ولم أجد في بلاد الوهم أمانا
كتمت الغيظ مبتسمة
حتى نداني القبر في هلع
لماذا استدعيت هذا المقطع الشعري ، حسبي أن أوضح أن الوجع يصبر ، والعمر يقدم قربانا ، والاحزان مواويل ، والغيظ بمسحة الابتسامة ...سمفونية من المعاجم التي استطاعت الشاعرة أن تؤلف في ما بينها ليخضر النص الشعري جمالا يستمد قوته من البناء السديمي.
- البعد الرمزي في النص :
الرمزية اتجاه فني يغلب عليه سيطرة الخيال علي كل ماعداه ، سيطرة تجعل الرمز دلالة أولية علي ألوان المعاني العقلية والمشاعر العاطفية.
طغيان عنصر الخيال من شأنه ألا يسمح للعقل والعاطفة إلا أن يعملا في خدمة الرمز وبواسطته، إذ عوض أن تعبر الشاعرة عن غرضه بالفكرة المباشرة، فإنها تبحث عن الصورة الرامزة التي تشير في النهاية إلى الفكرة أوالعاطفة أو الانشغال ...
الرمز شيء مألوف في تعبير الأنسان وفي طبيعته، فلم يرمز الإنسان قط وهو قادر علي التصريح والتوضيح، ولم يجد كلمة واضحة لمعنى واضح ، ثم آثر عليها الالتواء شغفاً بالالتواء.
فإذا لوحظت هذه الحالة فالرمز أسلوب متفق عليه لايحتاج إلي مدرسة تنبه الأذهان إليه.
ويمكنني أن أجزم على أن الشاعرة ربيعة بومهراز سلكت في كتاباتها الشعرية مذهب البرناسية
البرناسية مذهب أدبي فلسفي لا ديني قام على معارضة الرومانسية من حيث أنها مذهب الذاتية في الشعر، وعرضت عواطفها الخاصة على الناس شعراً ، وهي تهدف إلى جعل الشعر فناً موضوعيًّا همه استخراج الجمال من مظاهر الطبيعة دون الهروب إليها ، وترفض البرناسية التقيد سلفاً بأي عقيدة أو فكر أو أخلاق سابقة ،
بهذا نجد نصوص الشاعرة من حيث البناء جاءت ثورة على ما ألفناه وتعودناه ، وأنت تقرأ لها لا تحس بالامتداد التاريخي لتاريخ الأدب العربي إنه التفرد عند الشاعرة ربيعة بومهراز تفرد في البناء تفرد في الدلالة المعجمية ، إذ نجدها ترقى بالمعجم فتحمله ما لا يحتمل فتنقله بكل سلاسة ورقة ويسر من مجاله الطبيعي إلى مجال آخر فيؤدي وظيفته الرمزية .
2/حمولة الديوان الفكرية والنصية :
ح 1/اعتبار الفن غاية في ذاتيه وأن مهمته الإمتاع فقط لا المنفعة، وإثارة المشاعر وإلهاب الإحساس ليتذوق الإنسان الفن الجيد.
ح2/تحطيم القديم وتدميره لبناء العالم الجديد الخالي من الضياع. . ح3/ تحقيق الإنسان سعادته عن طريق الفن
ح4/ استبعاد المحاكاة في الشعر والفن عامة.
. ح5/ الحياة تقليد للفن وليس العكس
- الأحداث في بعدها الزمكاني:
الزمان حاضر في نصوص الشاعرة بقوة ويمكن تقسيمه إلى قسمين : الليل والنهار. الليل شاهد حي على الظنون ، على الألم ، على الوجع ، ومع ذلك تجعل الشاعرة من الحب آية تداوي النزيف وتضمد الجراح ... بل منارة ضوؤها الفرح ، أحداثها كالحجر في الذاكرة . الآخر في الحب هو الكل هو الموارد هو المواجع هو المواقد هو الحنين هو العذاب ... الحب الحقيقي ثنائيات ليل ونهار ، حنين وعذاب ، وفاء وظنون ...
- دراسة المعاجم والقيم في بعدها الإنساني :
تتداخل المعاجم في ديوان الشاعرة ربيعة بومهراز ، فنجد في صلب نصوصها الزمان والمكان والعاطفة والطبيعة والقيم متفاعلات ومنفعلات في ما بينهن ، كالليل والصبح والمساء والنهار والفجر ، تتراقص بين مد وجزر في فضاءات نصوصها توشح الأسطر بزينة المكان القشيب تارة والمغبر تارة أخرى ، مثل الوسادة والظل والشفاه والدروب والصدر ... وكأن الزمن يتوقف بين الليل والصبح ،هو إمساك يعسر وييسر في تلك العلاقة الثنائية بين ذات الشاعرة
و الآخر ، هناك حيث الغياب والنسيان والشوق والأحلام والحيرة والخوف ... خوف من تلك الشجرة التي تمطر المروج زهرا يزلزل الكيان كإعصار مرعد .
إن الشاعرة تبحث عن الخصب حيث الربيع والأزهار والسنابل المثمرة المشبعة ارتواء بعيدا عن نزيف الجراح والمواجع والقيود والقسوة واللوم ... وتتساءل أين القيم الإنسانية النبيلة: الحب ، الأمل ، الشموخ ، الرفق ، الألفة ، ... ؟
وبالرجوع إلى الأساليب يلاحظ القارئ أنه غني بالجمل الخبرية ، هذه الجمل موشحة بالنداء كما جاء في قول الشاعرة :
- يا موردا للخصب...
- أيتها الياسمينة لا تكوني جبانة
كما نجد الجمل الشرطية ، تقول الشاعرة :
متى غرفت بغيمتك الماطرة تبلل مني الرضاب .
ويحضر التشبيه حين تقول :
- بريق عينيك كالجمر يتموج .
- يلتف حولي ذراعك كالسنابل.
كما ورد أسلوب الاستفهام المنفي إذ تقول الشاعرة :
- أليس الحب أسمى ما في الإنسان ؟
بلى الحب أسمى ما في الإنسان ، ويشترط فيه النبل والخصب والتفاني بدون جبن ، الغرق في العيون شهادة ، الحب نداء وإقبال عمن نناديه .
وتظهر هذه المعاني مجتمعة في نصوص ديوان سلاسل الانعتاق للشاعرة ربيعة بومهراز .
يمكن اعتبار الديوان وحدة موضوعية تطرح فيه الشاعرة همومها ومواجعها وآلامها وآمالها ...وانتظاراتها.
فالعشق قيمة نبيلة لا تتنكر لها رغم الوجع والألم ... يوقظ في النفس لهفة جنون الاشتياق كغابات الزيتون جذورها عطشى تنتظر الغيث ، المزن يدغدغ إحساسها .
تقول الشاعرة ربيعة بومهراز في قصيدتها " درر الثمار " ص : 46 :
من عينيك رشفت الحب
تأججت نار غرامي
لهفتي أيقظت جنوني
عدوت نحو الديار والأشواق تسابقني
وعشق بان مني لست أنكره .
جنون العشق حكاية جسد تنشد التكامل بدون خوف ، فالعاشق الحقيقي ليس زيرا ولا عربيدا يعبث بعيون المعشوق فيتلفها ...
تقول الشاعرة في قصيدتها " حكاية جسد "ص 49:
يا سيدتي لست عربيدا يعبث بعيون النساء
هذا قلبي لقلبك رداء
....
استسلمي لحكاية الجسد.
الحب دلال رغم النوائب ، وصفته الشاعرة بأجمل الأوصاف وأسناها
، جعلته نجمة ترضع من نهد السماء ، فتسقط الأحلام ، فيظهر صولجان الكبرياء مرصعا بالوفاء ، فتتوج المحبوب ملكا على هذا الجسد .
تقول الشاعرة في قصيدتها " حب مغنج " ص : 51 :
فجد بالوصال يا أملي
في غرامك قضيت
أنا الشهيدة
قربك خمري
شدوك كأسي
الزمان عند الشاعرة مطلق تتعاقب فيه الفصول بحس طبيعي ، هو التحول كتحول رحلتي الشتاء والصيف ، وما يعقب هذه التحولات من موت وإحياء ، وكأن الحب جلسة انكسار في ساعة احتضار تعقبها الحياة ...
تقول الشاعرة في قصيدتها " جلسة انكسار " ص : 59 :
تتعاقب الفصول
تنطلق رحلة الشتاء والصيف
بعد الربيع يأتي الخريف
تتساقط الأوراق في مهاوي الريح
تغبر الأرض كوجه فارس جريح
في جلسة انكسار
في جلسة احتضار.
حب بطعم رصيف الموت ناحت المحبرة ، وتكسر القلم . صورة جميلة لوحة أحزان تشكيلية ، فهي المرأة الشاعرة البدوية الريفية عزيزة النفس ، صوتها يزغرد للحرية ، بئس هذا الحب الذي يكسر الأقلام . إنه الصراع القوي بين الذات والقلم ،تفجر في صورة تقبلها الهيئة الاجتماعية ، وهي تنثر الابتسامة على الشفاه رغم أنه جسد متصدع كسر عظامها الزمكان ، فغاب اللب وارتخت المفاصل ، واعتصرها الحنين حتى تبللت وسادتها ، ومع ذلك تصرخ متفجعة ومتوجعة : " إنها لم تغن كل الألحان "
ونجد الشاعرة آخت بين المتناقضات وكأنها طباق بين العقل والقلب توأمت بينهما .
تقول الشاعرة ربيعة بومهراز في قصيدتها " ضفاف الدموع " ص: 72:
سلام على الحبيب
وللحبيب سلام
تربع في الفؤاد
أخذ الروح بغلافها
هو الحزن هو اللائم
هو الصبور الغاضب
هو الطبيب هو القاتل
هو البعيد القريب
كبير على أن أنساه.
الضمير المنفصل حاضر بقوة " أنا " "أنت " وفي بعض الأحيان "هو" فتجعله غائبا غضبة منها على الآخر ... ومن هنا تتشكل القصيدة ، تقول الشاعرة في قصيدة " شمس زماني "ص : 78 :
أنا وأنت والقصيدة المجنونة
والقوافي والمعاني
لم أعلم قبلك أن الفرح رجل .
الضمائر المنفصلة مصدر القصائد ، وهن الباعث على الكتابة، فلا كتابة دون أن تتحلل هذه الضمائر كتعويم العملة في البورصة .
للشهادة رمزية في عرف الشاعرة ربيعة بومهراز تفدي الضمير المنفصل " أنت " والباحث في مفردات النص يلاحظ أن كلمة " الموت" تكررت خمس مرات ، هذا الموت المتوالي ما هو إلا بحث عن الفرح والابتسامة بحث عن حياة فضلى ، إنها ثنائية الوجود : أنا و أنت وهمس الليل وذلك الشعاع الذي يعانق الوسادة فتورق البساتين على ضفاف حلم الأمنيات مستقوية بعكاز الصبر .
وأقول للشاعرة ربيعة بومهراز لكل منا عكازه ... وأنت تتكئين على عكاز الصبر استطعت في زحمة الإكراهات أن تبدعي وتطربي القراء بلغة سلسة ، وأن تحدثي ثورة في البناء ... فجاءت نصوصك من البلاغة بمكان ، حسن الكلام وجمال المعنى .
الأستاذ الشاعر والناقد محمد الملواني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق