Translate

الاثنين، 25 ديسمبر 2017

قراءة نقدية للأستاذ محمد الملواني في ديوان " مرايا همس الوجع " للشاعرة : أسيل الجناتي

قراءة نقدية للأستاذ محمد الملواني
في ديوان " مرايا همس الوجع "
للشاعرة : أسيل الجناتي
أستهل هذه القراءة النقدية بتقديم عام  ثم أتناول عتبتي الغلاف في إطاره العام والعنوان من حيث بنيته ودلالته ثم أعرج على الأغراض الشعرية التي تناولتها الشاعرة أسية الجناتي في ديوانها " مرايا همس الوجع " مبرزا الظواهر الأسلوبية والبلاغية التي استعانت بها لتنسج هذا الوجع الذي يهمس في جوف الديوان مدويا فيخيط تجربة الشاعرة ...
1/ التقديم العام :
يشهد الحقل الثقافي في عصر العولمة ثروة وثورة ابداعيتين في جميع الأجناس الأدبية ، وحسبي أن أركز في هذه القراءة على الشعر وبالخصوص من خلال " مرايا همس الوجع " للشاعرة أسية  الجناتي الملقبة بإحساس القصيد ، واللقب في عرف النحاة هو ما دل على صفة في المسمى ، فعلا الإحساس باعث على النظم ، وقد يتحول هذا النظم إلى سيلان جارف ، فينتج ثمرة طيبة ، وهذه الثمرة الطيبة  هي الديوان الذي أتناوله اليوم قراءة ونقدا . الشعر عند الأقدمين ارتبط بالوزن بمعنى أن يخضع لبحر من بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي ، وما يقتضيه البحر من قافية وروي وتصريع ... وهذا ما يصطلح عليه بالنظم ، فهل يعتبر النظم شعرا ؟ لا يمكن أن نعتبر النظم شعرا وقد وصفه بعض النقاد بشعر الصنعة ، إذا فما الشعر ؟ الشعر هو تلك العلاقة التفاعلية بين النظم والمعنى ، وأقصد بالمعنى الصور الشعرية التي تسمو بالعلاقات التركيبية ، فتحولها إلى مؤثر جمالي يخلق وقعا لدى المتلقي ...
لقد عرف العالم مجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ... والشعر عرف هو الآخر هذه التحولات ، فحدثت ثورة على بنية القصيدة العربية ،
فظهر الشعر الحر والشعر المنثور ... وهذه التجارب لا يمكن أن نتنكر لها ، هي فعلا مظهر من مظاهر الجمال في النصوص الشعرية ، وقد استطاع مجموعة من الشعراء أن يحافظوا على جمالية النص الشعري بعيدا عن البحر والقافية والروي ...والأمثلة في هذا الباب كثيرة .
ومن هنا يمكن أن نقول: إن الشعر هو قدرة الشاعر على أن يستعير معاجم من حقل، فيوظفها في حقل آخر ، ويستلهم مما حوله مظاهر الجمال في الكون .
2/ عتبة الغلاف  من حيث الشكل :
الغلاف من يحث خلفيته يغلب عليه اللون الأزق ، والزرقة دالة على البحر ، ويتصدر الغلاف عنوان الديوان " مرايا همس الوجع "  وضع على واجهة خلفية زرقاء .
كما نجد في الواجهة الأخرى صورة للشاعر بنظارة شمسية سوداء ،تكتشف من خلفها وجع الهوى فيتسرب إلى دمها ، وتستتر من خلفها ذاكرة مشوشة بين الوهم والحقيقة  .
3/ عتبة العنوان :
عنوان الديوان للشاعرة آسية  الجناتي " مرايا همس الوجع " جاء العنوان من حيث بنيته مركبا تركيبا إضافيا ، مرايا : مبتدأ ... ، وهو مضاف ، همس : مضاف إليه ...وهو مضاف ، الوجع مضاف إليه ... إذا الأمر هنا لا يتعلق بتركيب إضافي بسيط ، وإنما هو تركيب إضافي مركب ، وهذه البنية المركبة تحيلنا على الذات المركبة الفاعلة في الديوان تفاعلا وانفعالا ، ولا غرابة أن نتحدث في هذا المجال عن نفسية الشواعر والشعراء ، إنهم يعدون عصرهم وجدانا وحبا وعاطفة ورومانسية وانشغالا بهموم الوطن ...
 والشاعرة أسيل الجناتي لا يمكننا أن نفصلها عن هذا المحيط التفاعلي الذي يخيط من الوجع والهمس قصائد تخلف أثرا طيبا في النفوس ...
4/ الأغراض الشعرية ومظاهر الحداثة :
الشاعرة آسية الجناتي تعدو عصرها ركبت هودج القصيدة لتصرخ مدوية وهي تهمس في كل قصيدة بالوجع حتى تحول الوجع في الديوان  إلى الكلمة المفتاح التي تصب تلك الصورة الجميلة في ينبوع قصائدها بأسلوب سهل سلس لا يكلف القارئ الكثير من العناء ليبلغ عوالم وجع الشاعرة ، فيشاركها همومها ونوائبها وانشغالاتها وآمالها وآلامها ...
وأكاد أجزم أن الماضي يمثل ذلك الينبوع الجارف الذي يعتبر موردا تغرف منه حلمها وحلمها ...إنها تجربة في الحياة كإنسانة وأم وعاشقة ترك الأليف صدأ في ذاكرتها ، فساقت بمقود الأنوثة باخرة الحياة في عباب بحر جارف لا يرحم ، إنه بحر الظلمات ببطشه وظلمه وجوره ...
فالديوان جاء مرآة تعكس هذه التجربة همسا ووجعا .
الحياة تجارب يجب أن نتوقف عندها ،و نعيد الشريط لنقوم ونقيم ونقيس ...
الزمان يتحول وهذا أمر طبعي ، وهذه هي سنة الحياة ، والشاعرة مرآة دواخلها خجلى ، والخجل قيمة إنسانية تحسب للإنسان لا عليه ، وكأن الشاعرة غير راضية عن تجربتها ، أقول: الشعر وجع يدون الأحداث ويستشرف المستقبل، فجاء عند الشاعرة ثورة على الثابت فحولته وأزالت عنه الغبار ، فبدا في حلة جديدة رسمتها أنامل بين أوراقها المبعثرة فوق مكتبها أو على ركبتيها أو أو ... إنها مسودات تجربة عانقت فحولة همس يشدو أنشودة التحول .
فعلا ديوان الشاعرة مظهر من مظاهر التحول في القصيدة العربية على مستوى البناء ، فقد جاء ثورة على القديم فخلخلته وهدمت كل اللبنات ، ولكنها تمسكت بجوهر القصيدة ، تمسكت بالصورة الشعرية ، وتحررت من قيود فتحت لها تجربة الكتابة .
تعلمت أن القواعد لا يمكنها أن تؤثر في الإبداع  ، الأصل في الإبداع عن الحداثيين خروج عن الضوابط ونفور مما تآلفت عليه العامة ، والأصل في التقعيد شيوع الظاهرة ، فعلى المبدع أن يقول وعلى النقاد والباحثين أن يعللوا ، الإبداع  أولا والتقعيد ثانيا ، فلا يمكننا في هذا العصر أن نلوك ما لاكه أسلافنا وإن كان طيبا ، يجدر بنا أن نبحث نحن أيضا عن مصدر الطيب بأسلوبنا حيث هو .
الشاعرة ركبت قاطرة الحداثة وهجرت القيود والأغلال وبحثت عن الحرية أنى وجدت  مظاهر الجمال .
وبالعودة الى ديوان الشاعرة أسيل الجناتي نجده يمثل ويجسد تلك الثورة .
5/ الأغراض الشعرية من خلال التبويب :
أ / مرآة القلب :
تقول الشاعرة في مطلع قصيدة بعنوان " مرايا أنثى " ص 13
أمام مرايا الماضي
أفق لأرى شريط الغياب
كم تغير الوقت .ا
أ كل ما كان محض يباب ؟.ا
مرآة دواخلي خجلى
والعمر غياب في غياب
تقف الشاعرة مستقرئة المرايا ومستنبطة الغياب وتقلبات الزمن حتى تحول العمر غيابا في غياب ، فهي استعملت أسلوب تعجب في صورة استفهام ، والتعجب استعظام فعل فاعل ظاهر المزية لخفاء سره وقلة وجود نظيره ، عظيم أمر هذا الغياب جليل أمر هذا العتاب الغياب الموجع المتصدع في صورة عتاب ، تعاتب اليباب بعظمته وشموخه ، فكيف يتحول إلى فعل من أفعال ما كان .
إنها تجربة الغائب الحاضر الذي يوسوس في أفق شريط الغياب .
ب/ مرآة الروح :
إذا كان القلب عند الشاعرة مصدر القيم فإن الروح جوهر هذه القيم ، فالروح بسطة إلاهية تجسدت في نصوص الديوان عتابا ووجعا واشتياقا وغيابا وحرقة وحنينا ... تقول الشاعرة آسيل الجناتي في قصيدة بعنوان " أيها الحاضر الغائب " ص : 34
من بعيد ألمس حضوره
وإن اقترب أسرف في الغياب .ا
برق هو يسطع سريعا
وينمحي له كل بريق .ا
لماذا يترك في قلبي
كل هذا الحريق ؟
إلى أن تقول :
كيف يسير إلى مقلتي ؟
لم يغب وهو حاضر.ا
وكيف يحضر
وفيه كل أسباب الغياب ؟.ا
يحق للشاعرة أن تستفهم متعجبة ، فكيف يحضر وفيه كل أسباب الغياب ، الإسراف في الغياب موجع ، يكسر البنيات الخبرية ويحولها إلى البحث في ماهية الغياب عنادا .
ج/ مرآة الذاكرة :
الذاكرة في عرف علماء النفس ترتبط بعتبات الهو وألأنا والأنا الأعلى ، فالماضي بتقلباته لا يمكن نسيانه وإنما يطرح في إحدى العتبات يتحين الفرص للتعبير عن نفسه ، وقد استطاعت الشاعرة أن توظفه في شكل أثر فني مقبول لدى الهيئة الاجتماعية .
تقول الشاعرة في قصيدة بعنوان : " اسطع في جفوني " ص: 43
ابحث عنك
في حروف كلماتي
اسمع همسك
في لحظات صمتي
وانين اشتياقي
حنيني اليك يمزق آهاتي
استعملت الشاعرة أسلوبا خبريا تبرز من خلاله  شوقها ، فهي تبحث عن ضالتها بين حروفها، تتلمس مأربها لحظات صمتها ، إنه صمت مدو  يفجر ذلك الأنين ، وسط هذه الزوبعة الذهنية الوجدانية ، تسمع همسه وكأنه أقام قطيعة مع محراب الغياب .
د/ مرآة الومض :
الومض في معجم المعاني الجامع هو اللمعان الخفيف
من فعل ومض يمض مصده : ومض و ومضان ووميض ، ومض البرق إذا لمع لمعانا خفيفا .
وما علاقة الومض بالمرآة ، لعل المرآة لا تستجيب لحاجيات الشاعرة مرآة شحيحة لا تلبي فضولها ، فهي أي المرآة لا تعكس كل الحقيقة بل تجود  بالتبعيض ، والتبعيض جزء من كل .
تقول الشاعرة في باب الومض ص 54
كلما حن القلب ... ولك تذكر
جاءه الصد وللذكرى تنكر
دثرني بوهج الصدق وبحبي تدثر
لا تجعل غيرك في هواي يتستر
حتى الومض لم يسلم من الانفعال حنين وصد ووهج وصدق ووسط هذا التفاعل بعض من التستر ...
ه/ مرآة الوجد :
الوجد في المعجم دال على معنيين الحب والحزن ، ولعل الذاكرة المفروشة في العتبات خردلت الحب وحولته بسبب الغياب الى حزن يؤرق الحاضر .
تقول الشاعرة في قصيدة " اوتار الصدى " ص : 73
حين يسقط الليل في قلبي
يهدأ ضجيج الإحساس
يتمايل الوقت
وتنثال أصداء الوتر
لا السهر يجول في دمي
ولا التوق يغادر غرفة الروح
إذا النهار استيقظ
نام بوحي على سرير الوقت
أهو بوح أو شجو؟ .ا
هواجس تنتابني
تراودني ...
ثم :
يسقط الخطو على خطوي
واذكر ما انقضى من مسافات
وألجأ إلى طيف السنين
+ الظواهر الأسلوبية :
في هذه القصيدة وظفت الشاعرة أجمل الصور  ، فالليل يسقط في القلب ، وكأنه نذير شؤم بسواده وسكونه
وظلمته ،والنهار يستيقظ ليزيل ظلمة الهواجس ، وتذكر ما انقضى من مسافات السنين .
استعانت الشاعرة بمجموعة من الأساليب وأخص بالذكر منها التعجب والاستفهام ، كما وظفت الجمل الإنشائية والخبرية وألبستهما صورا شعرية جميلة
تشفع لها وجع القصيدة ، وهمس المرايا وسط بحر زرقته أليف للشاعرة تغوص فيه تتطهر فتنجب ديوانا بعنوان " مرايا همس الوجع "
ورغم كل هذا وذاك لم يخل الديوان من هم العروبة الأولى ، وهو القضية الفلسطينية ، قصيدة وإن جاءت يتيمة في الديوان بعنوان : " الحجر الفلسطيني " ص 29 فرغم التغول والطغيان والاستبداد فإن إسرائيل لم تستطع كسر إرادة أبناء الشعب الفلسطيني في بحثهم الدؤوب عن الحرية والاستقلال ، الانتصار للحجارة .
بقلم الأستاذ محمد الملواني 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق