يفتح صندوقه الخشبي العتيق، ويتناول منه جريدة الصباح. يرتدي معطفه البني المثقل به. يحتضن الجريدة تحت قوس إبطه، يسير في الدروب المعشقة، دروب الذكريات، بندول الذاكرة. يقرأ الحارات، ويترجم بعينيه رسائل الخوف من عيون نوافذ السماء. تختنق اللهفات بحلقه الضيق كزقاق قديم، يستريح على كرسي الخيزران الغارق في أفكاره وأحلامه وفنجان قهوته السوداء.
يهمس في أذن الكرسي : رد لي بعضا من قهوتي وصحبتي، وفك أسر بعض بنات أفكاري.
يجيبه الكرسي بلغة القصب : قد هاجرت جميعها في روح الخيزران؛ أجلس ولو لمرة واحدة بهدوء، و دعك من حر السؤال.
يهمس في أذن الكرسي : رد لي بعضا من قهوتي وصحبتي، وفك أسر بعض بنات أفكاري.
يجيبه الكرسي بلغة القصب : قد هاجرت جميعها في روح الخيزران؛ أجلس ولو لمرة واحدة بهدوء، و دعك من حر السؤال.
عبد اللطيف الديب
09/03/2016
قراءة في " حوارات دافئة للأديب عبد اللطيف الديب ...إن ما يميز القصة القصيرة جدا هو عنصر التكثيف من جهة وعنصر التعبير بالصورة كما هو الشأن في القصيدة القصيرة جدا . وهذا النمط السردي الجديد ، يرتكز أساسا على فعل التلقي نفسه . فهو ينتقي قراءه من خلال الثقافة المشتركة التي تضمن له الانسجام مع فعل قراءة جديد عموده الفقري شعرية التلقي . القصة هنا فضاء مكون من قوى فاعلة تربط الماضي وهو مقدس بالحاضر المتدهور في وضعية ارتداد وتهميش الراهن . فعل العودة إلى زمن الاشراق بدأ اراديا بحمل جريدة قديمة تعيده إلى الوراء وتضمن له نوعا من التوازن وان كان مؤقتا . ثم تتداعى بقية أفعال الكلام التي ينخرط فيها السرد مع بقية مكونات الفضاء الروائي . وتكون لحظة التصاعد قائمة على التواطؤ بين السارد والقارىء في لحظة يصبح معها السؤال قلقا وهو يناغي بقية الأسئلة التاريخية الأخرى . يشتد الصراع الدرامي بين لحظتين متفاوتتين تقوم كل واحدة منهما على خصوصية السياق التداولي لافعال الكلام ، بين الملفوظ والمقصود تتولد معضلة السؤال ، روح الخيزران وجواب الكرسي عاملان في وعي السارد يشير كل واحد منهما إلى بعد من أبعاد الوجود والكينونة بين ماض مجيد مضى وحاضر مرفوض ممتد في النفس بسلطته القسرية ..تضطلع عتبة العنوان بدور بنيوي في تكوين الدلالات وتداعياتها . فهذه الحوارات دافئة لأنها يومية ، تحتضن حقيقة غامضة تمثل عمق المعاناة . هذا التجلي الزمني الحاد بين الأمس واليوم يستمد أهميته من خلال علاقته بمختلف التوازنات الأخرى التي لا تستثني أزمة النهوض العقدي ومعضلة الجواب عن أسئلة العصر . بين الجواب الرومانسي الحالم الممثل في الخيزران والرد الخشبي المالوف تنكسر النهاية في مفارقة لا تخلو من شرك غياب الوعي عن طبيعة الأسئلة التي توهم المثقف ان الجواب عنها قد يحاصر الحقيقة في زاوية ما . القصة رائعة وقد بنيت على ثنائية ضدية استجابت للحظة الانفجار التي تمثل في السرد لحظة مكاشفة عاشقة تتعايش بداخلها كل هذه التناقضات والتوترات التي تميز الواقع العربي المعيش .. السؤال في حد ذاته بنية وعي لصيقة بالرغبة في تجاوز مأزق التاريخ الذي يجعل الإنسان العربي في حيرة من أمره وهو يرتد إلى الوراء باستمرار بحثا عن جواب مقنع عن أسئلة قلقة طرحت في سياق مخالف . جمالية التلقي تقتضي إبعاد التصورات القديمة في مقاربة الراهن . والنص خزان معنى . ومن خلال المقاربة تتشكل الدلالات في نفس الوقت بين ما يتيح النص من جهة وبين مدركات فعل القراءة من بياضات وتوترات وتناقضات . فعل القراءة مكاشفة وتحيين لما عبر عنه النص عبر تقنيات الحجب والمخاتلة . النص هنا بالرغم من قصره - قصة قصيرة جدا - أنتج خطابا تتعدد رهاناته .. مودة بلا حدود ...الشاعرة والناقدة ثريا بن الشيخ .
09/03/2016
قراءة في " حوارات دافئة للأديب عبد اللطيف الديب ...إن ما يميز القصة القصيرة جدا هو عنصر التكثيف من جهة وعنصر التعبير بالصورة كما هو الشأن في القصيدة القصيرة جدا . وهذا النمط السردي الجديد ، يرتكز أساسا على فعل التلقي نفسه . فهو ينتقي قراءه من خلال الثقافة المشتركة التي تضمن له الانسجام مع فعل قراءة جديد عموده الفقري شعرية التلقي . القصة هنا فضاء مكون من قوى فاعلة تربط الماضي وهو مقدس بالحاضر المتدهور في وضعية ارتداد وتهميش الراهن . فعل العودة إلى زمن الاشراق بدأ اراديا بحمل جريدة قديمة تعيده إلى الوراء وتضمن له نوعا من التوازن وان كان مؤقتا . ثم تتداعى بقية أفعال الكلام التي ينخرط فيها السرد مع بقية مكونات الفضاء الروائي . وتكون لحظة التصاعد قائمة على التواطؤ بين السارد والقارىء في لحظة يصبح معها السؤال قلقا وهو يناغي بقية الأسئلة التاريخية الأخرى . يشتد الصراع الدرامي بين لحظتين متفاوتتين تقوم كل واحدة منهما على خصوصية السياق التداولي لافعال الكلام ، بين الملفوظ والمقصود تتولد معضلة السؤال ، روح الخيزران وجواب الكرسي عاملان في وعي السارد يشير كل واحد منهما إلى بعد من أبعاد الوجود والكينونة بين ماض مجيد مضى وحاضر مرفوض ممتد في النفس بسلطته القسرية ..تضطلع عتبة العنوان بدور بنيوي في تكوين الدلالات وتداعياتها . فهذه الحوارات دافئة لأنها يومية ، تحتضن حقيقة غامضة تمثل عمق المعاناة . هذا التجلي الزمني الحاد بين الأمس واليوم يستمد أهميته من خلال علاقته بمختلف التوازنات الأخرى التي لا تستثني أزمة النهوض العقدي ومعضلة الجواب عن أسئلة العصر . بين الجواب الرومانسي الحالم الممثل في الخيزران والرد الخشبي المالوف تنكسر النهاية في مفارقة لا تخلو من شرك غياب الوعي عن طبيعة الأسئلة التي توهم المثقف ان الجواب عنها قد يحاصر الحقيقة في زاوية ما . القصة رائعة وقد بنيت على ثنائية ضدية استجابت للحظة الانفجار التي تمثل في السرد لحظة مكاشفة عاشقة تتعايش بداخلها كل هذه التناقضات والتوترات التي تميز الواقع العربي المعيش .. السؤال في حد ذاته بنية وعي لصيقة بالرغبة في تجاوز مأزق التاريخ الذي يجعل الإنسان العربي في حيرة من أمره وهو يرتد إلى الوراء باستمرار بحثا عن جواب مقنع عن أسئلة قلقة طرحت في سياق مخالف . جمالية التلقي تقتضي إبعاد التصورات القديمة في مقاربة الراهن . والنص خزان معنى . ومن خلال المقاربة تتشكل الدلالات في نفس الوقت بين ما يتيح النص من جهة وبين مدركات فعل القراءة من بياضات وتوترات وتناقضات . فعل القراءة مكاشفة وتحيين لما عبر عنه النص عبر تقنيات الحجب والمخاتلة . النص هنا بالرغم من قصره - قصة قصيرة جدا - أنتج خطابا تتعدد رهاناته .. مودة بلا حدود ...الشاعرة والناقدة ثريا بن الشيخ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق