Translate

الاثنين، 30 مايو 2016

قصة قصيرة اليوتوبيا بقلم منى الصراف


كان شابا فقير الحال بكل ثنايا حياته المتعبة ، تخرج من الجامعة بعد سنوات مضنية من الدراسة والعمل معا، تزوج زميلة له احبها كثيرا كما بادلته هي نفس الشعور .
سكن بيتا صغيرا واصبح لديه ثلاثة اولاد صبية ، كم كان يتمنى ان يرزقه الله ببنت لتعلم الصبية الادب حسب اعتقاده .. لكنه كان مؤمنا ان الله جعل هذا نصيبه في الدنيا .
استطاع بعد سنوات من العمل المذل والتنقل من مكان الى آخر ان يجمع له مبلغا من المال يكون له مقدمة لشراء مركبة اجرة تنهي سنوات العذاب والتخلص من اصحاب العمل الذين لم يرَ منهم خيرا .
كان يجوب شوارع مدينته ليلا ونهارا ويسمع قصصهم المتعبة والمملة احيانا كثيرة .. حتى يعود الى البيت منهوك القوى ليستأنف عمله في اليوم الثاني .
وفي احدى الليالي اكمل عمله واشترى لبيته الفواكه والخضروات ولم ينسَ الباميا التي يحبها كثيرا استوقفه ثلاثة رجال طلبوا منه توصيلهم لمكان بعيدا نسبيا .. كيف لا يوافق ان كانت الاجرة ستمنحه اللحم مع الباميا ! وصل معهم الى مكان خال من السكان شعر بفوهة مسدس توضع خلف راسه صوت يشبه نعيق الغراب يطلب منه الترجل من السيارة ، لم يشعر بعدها الا بضربة افقدته الوعي .. افاق بعدها ولم يجد اللصوص ولا سيارته ، اصابته الحسرة والالم لفقدان مصدر رزقه الوحيد واخذت افكاره تتزاحم كيف سيتمكن من تسديد اقساط تلك السيارة وكيف سيوفر اجرة البيت وامور المعيشة للعائلة .. دموعه تتساقط كشلال نار والحرقه مزقت معدته المصابة بالقرحة اصلا ، اخذ يشكي الى الله وعتابا بكت له ملائكة السماء :
- يا الله .. مالي اراك بعيدا.. لماذا تخنقني في ازمنة الضيق ، حتى خبزك منحتني اياه معجونا بالدموع لماذا كل هذا الشر لدى الانسان !؟ اليس الكل تحت قبضتك سائرون !؟ اسمعني الان قبل عقابي اليس لديك محكمة تقضي بعد السماع ! اهو عقاب أحللته عليّ ام انك غفلت عني وادرت لي ظهرك مالي اراك بعيدا عن الفقراء والمحرومين وجعلت للمجرمين مقاما ووليتهم علينا !
اول مرة في حياته يعاتب الله بهذه القسوة وهو المؤمن بقضائه وقدره .. ظل يسير بخطواته المثقلة لعله يجد من يقله للبيت .. شاهد من بعيد ضوء لأستراحة او مطعم للمسافرين .. وصل اليه بعد تعب وعناء دخل الحمام ليغسل الدموع التي اختلطت مع التراب واصبح وجهه كبركة وحل رفع راسه الى سقف الحمام واخذ يستغفر ربه :
- اللهم ياسامع كل نجوى ويا شاهدا على كل بلوى ويا كاشف كل بلية يامن يملك حوائج السائلين ويعلم ضمائر الصامتين ادعوك يا ربي فقد اشتدت فرقتي وقلت حيلتي وضعفت قوتي .. وقبل ان يقول يا ارحم الراحمين شاهد من خلال المرآة اللصوص الثلاثة وقد اتخذوا لهم مكانا في المطعم وسيارته تقف في الخارج ، تذكر في لحظة انه دائما ما كان يضع مفتاح احتياطي لسيارته في جيبه ان غفل او فقد مفتاحه الاول .. تسلل الى خارج المطعم من الباب الثاني .. فتح باب السيارة ويديه ترتعش شعر انها سرقته الاولى في حياته وان كانت سيارته ! ادار محركها وانطلق بها كسرعة الريح دون حتى ان ينظر للمرآة ليعرف من خلفه .. وصل الى البيت وحمد الله كثيرا على سلامته وسيارته وكيس الباميه التي سياكلها بدون اللحم وهو يقبل وجه الله شاكرا .
ما ان فتح صندق السيارة لاخراج اكياس الخضروات والفواكه حتى شاهد حقيبة كبيرة ممتلئه بالنقود اصابته الدهشة والهلع ..
تسارعت دقات قلبه واختلطت بنغمات فرح استطاع ان يعيد لنفسه الهدوء في دقائق دخل الى البيت طلب من زوجتة واولاده ان يغادروا الدار مع اوراقهم الرسمية وبملابس النوم فقط .. نفذت الزوجة الامر بعد ان شاهدت اصرار زوجها بالخروج بسرعة .. صعدت الى جانبه والاولاد معه في الخلف طلبت منه تفسيرا:
- اخبرني ارجوك بالله عليك مالذي يحدث !؟
قال لها
:- حبيبتي لنخرج من كهف الافاعي هذا .. دعينا نرى النور ونبحث عن ارض فيها الاشجار مزهرة عالية وثمار تتدلى واطيار تنتقل صاعدة وهابطة تصدح تغرد تصفق باجنحتها تتقلب في الهواء .. حتى دموعنا تشفي ادران القلوب .. هناك سنرى البحر والميناء وسفنا تحمل ناسا ولايعرفوا سوى الفرح .. هناك سيكون لنا جنة على الارض وسنطير مع الطيور المغردة ...
نظرت اليه بكل هدوء وسلام في الروح والعيون .. تلك العينان اللتان لطالما عشق سوادهما ووجه كما هو البدر في يوم اكتماله :
- حبيبي اذن لن اغادر لوحدي مع اولادي !
لتكن الجنة لكل الطيور المعذبة في بلادي !!
منى الصراف / العراق
30/5/2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق