من حرقة الإبداع وكيد المعاني الی سلطة التأويل ، تابع ...
ولما كان التصور سيد المشاعر ، انعكس علی الصور الشعرية من خلال طرق التخيل المختلفة التي وان كانت تستند الی آليات اشتغال بلاغية وانزياحية تخضع لنفس الإطار النظري فإن لكل شعب طريقته في مقاربة العالم ، فالغربي يقول : cela réchauffe le coeur ..والعربي يقول : يثلج الصدر ..فالاختلاف يكمن في العوامل التي لا تنحصر فقط في بعدها الجغرافي - برودة الفضاء الأول ولدت الحاجة الی السخونة وسخونة الثاني راجت في البحث عما لا تسمح به الظروف الطبيعية وهو الثلج - وإنما يتعلق الأمر بتوظيف اللغة وفق حاجيات السياق بقدر ما تسمح به الثقافة السائدة من تمثلات ..لكل عصر بلاغته ، وإذا كان الإنسان العربي قديما يتوسل بعناصر الطبيعة كمطية للتعبير عن احاسيسه ومشاعره ، فذلك إدراكا منه لابعادها الأسطورية والتي تمارسها عبر قدرتها علی احتضان الأسرار وقدرته هو علی استنطاقها ..وفعل الاستنطاق هذا يمثل أهم مراحل تطور مفهوم الشعرية العربية ..ما حدود البلاغة كآلية ذهنية في الإبداع ؟؟ بعض الترجمات جعلت كلمة الصورة مرادفا للبلاغة في كتاب الصورة الفنية لفرانسوا مورو ..وذلك لأنها ادات تعبيرية فنية تميز الخطاب الفني .وتمثل بالنسبة للغة ما تمثله الالوان بالنسبة للرسم ..ومن ثم فإنها مطية الشاعر في كشف ملامح تجربته ..وفي درس الانزياح عند جون كوهن ندرك استناد المفهوم الی مستويات ادراكية تبدأ من المفهوم البسيط للمشابهة الی مفهوم التمثيل الذهني ..بذلك ينتقل المفهوم من الأسلوب الی الأسلوبية ..صحيح أن هناك ارتباطا تكوبنيا بين المفهومين ، إلا أن السياقات الجديدة التي تتولد عنهما تضيق في الأول و تتسع في الأخر ليشمل رؤيا شعرية مختلفة ، تتضمن موقفا من الشعر الذي أصبح دفعة كيانبة ، رؤيا فنية تنمو مع تحولات العالم ، وموقفا من اللغة التي انفلتت من شرنقتها المعجمية لتصبح رحلة استكشاف للعالم وموقفا من العالم ...مفهوم الصورة الفنية حلزوني ، يستمد أهميته من خلال التناغم الذي يحصل بين جميع آليات الاشتغال المختلفة التي تساهم في إنتاج المعنى ..فهو يتولد عبر عدة مستويات ..منها المستوى البلاغي والذي يتضمن البعد المكاني ومنها المستويات الأخرى كالتركيبي والذهني والرمزي ...وهي مستويات تختزل ابعادا لغوية أخرى كالنجوي والصرفي والمعجمي حيث تلتقي مختلف العناصر لتستمد وظائفها التداولية ...هذه الأدوات التعبيرية تعمل في نفس الآن ولا تخضع لقاعدة التوزيع الذرائعي الذي كلما تدخل عنصر تتوقف غيره ..فالصورة تقوم علی التناغم ومجرد تقسيمها قد يعرضها للواد ..لقد خضعت اللغة العربية لمبزان صرفي موحد ، وهي لغة اشتقاق وتشقيق ، لذلك فهي لغة إيقاع بامتياز ، ومساحتها التعبيرية الواسعة تعود أساسا الی كونها لغة ستة ملايين كلمة من جهة والی تداعيات سعة المعجم والسباقات المختلفة التي وضعت فيها والتي لم توضع فيها بعد ..مشروع الاستكشاف يكمن في هذه السياقات الجديدة ..يتبع ...ثريا بن الشيخ ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق